الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
ثم لما أمرهم بأخذ ما أمرهم به الرّسول، وترك ما نهاهم عنه أمرهم بتقواه، وخوفهم شدّة عقوبته، فقال: {واتقوا الله إِنَّ الله شَدِيدُ الْعِقَابِ} فهو معاقب من لم يأخذه ما آتاه الرّسول، ولم يترك ما نهاه عنه.وقد أخرج الحاكم وصححه، وابن مردويه، والبيهقي في الدلائل عن عائشة قالت: كانت غزوة بني النضير- وهم طائفة من اليهود- على رأس ستة أشهر من وقعة بدر، وكان منزلهم، ونخلهم في ناحية المدينة، فحاصرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نزلوا على الجلاء، وعلى أن لهم ما أقلت الإبل من الأمتعة، والأموال إلاّ الحلقة، يعني: السلاح، فأنزل الله فيهم {سَبَّحَ للَّهِ مَا في السموات وَمَا فِي الأرض} إلى قوله: {لأوَّلِ الحشر مَا ظَنَنتُمْ أَن يَخْرُجُواْ} فقاتلهم النبيّ حتى صالحهم على الإجلاء، وجلاهم إلى الشام، وكانوا من سبط لم يصبهم جلاء فيما خلا، وكان الله قد كتب عليهم ذلك، ولولا ذلك لعذبهم في الدنيا بالقتل والسبي، وأما قوله: {لأوَّلِ الحشر} فكان إجلاؤهم ذلك أوّل حشر في الدنيا إلى الشام.وأخرج البزار، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والبيهقيّ في البعث عن ابن عباس قال: من شك أن المحشر بالشام فليقرأ هذه الآية: {هُوَ الذي أَخْرَجَ الذين كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ الكتاب مِن ديارهم لأوَّلِ الحشر} قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذٍ: «اخرجوا، قالوا: إلى أين؟ قال: إلى أرض المحشر».وأخرج ابن جرير، وابن مردويه، والبيهقيّ في الدلائل، وابن عساكر عن ابن عباس قال: كان النبيّ صلى الله عليه وسلم قد حاصرهم حتى بلغ منهم كل مبلغ، فأعطوه ما أراد منهم، فصالحهم على أن يحقن لهم دماءهم، وأن يخرجهم من أرضهم وأوطانهم، وأن يسيروا إلى أذرعات الشام، وجعل لكل ثلاثة منهم بعيرًا وسقاء.وفي البخاري، ومسلم، وغيرهما عن ابن عمر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حرق نخل بني النضير، وقطع وهي البويرة، ولها يقول حسان:
فأنزل الله: {مَا قَطَعْتُمْ مّن لّينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً على أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ الله وَلِيُخْزِىَ الفاسقين}.وأخرج الترمذي وحسنه، والنسائي، وابن أبي حاتم، وابن مردويه عن ابن عباس في الآية قال: اللينة: النخلة {وَلِيُخْزِىَ الفاسقين} قال: استنزلوهم من حصونهم، وأمروا بقطع النخل، فحكّ في صدورهم، فقال المسلمون: قد قطعنا بعضًا وتركنا بعضًا، فلنسألنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم هل لنا فيما قطعنا من أجر، وهل علينا فيما تركنا من وزر؟ فأنزل الله: {مَا قَطَعْتُمْ مّن لّينَةٍ} الآية، وفي الباب أحاديث، والكلام في صلح بني النضير مبسوط في كتب السير.وأخرج البخاريّ، ومسلم، وغيرهما عن عمر بن الخطاب قال: كانت أموال بني النضير مما أفاء الله على رسوله، ومما لم يوجف المسلمون عليه بخيل ولا ركاب، وكانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم خاصة، فكان ينفق على أهله منها نفقة سنة، ثم يجعل ما بقي في السلاح والكراع عدّة في سبيل الله.وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس في قوله: {فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلاَ رِكَابٍ} فجعل ما أصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يحكم فيه ما أراد، ولم يكن يومئذٍ خيل ولا ركاب يوجف بها.قال: والإيجاف أن يوضعوا السير، وهي لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان من ذلك خيبر، وفدك، وقرى عرينة.وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعمد لينبع، فأتاها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاحتواها كلها، فقال ناس: هلا قسمها الله، فأنزل الله عذره فقال: {مَّا أَفَاء الله على رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ القرى} الآية.وأخرج ابن مردويه عنه أيضًا قال: كان ما أفاء الله على رسوله من خيبر نصف لله ورسوله، والنصف الآخر للمسلمين، فكان الذي لله ورسوله من ذلك الكثيبة، والوطيح، وسلالم، ووحدوه، وكان الذي للمسلمين الشقّ: ثلاثة عشر سهمًا، ونطاة خمسة أسهم، ولم يقسم رسول الله صلى الله عليه وسلم من خيبر لأحد من المسلمين إلاّ لمن شهد الحديبية، ولم يأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم لأحد من المسلمين تخلف عنه عند مخرجه إلى الحديبية أن يشهد معه خيبر إلاّ جابر بن عبد الله بن عمرو بن حرام الأنصاريّ.وأخرج أبو داود، وابن مردويه عن عمر بن الخطاب قال: كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم صفايا في النضير، وخيبر، وفدك، فأما بنو النضير فكانت حبسًا لنوائبه، وأما فدك فكانت لابن السبيل، وأما خيبر فجزأها ثلاثة أجزاء: قسم منها جزءين بين المسلمين، وحبس جزءًا لنفسه ولنفقة أهله، فما فضل عن نفقة أهله ردّها على فقراء المهاجرين.وأخرج عبد الرزاق، وابن سعد، وابن أبي شيبة، وابن زنجويه في الأموال، وعبد بن حميد، وابن المنذر عن عمر بن الخطاب قال: ما على وجه الأرض مسلم إلاّ وله في هذا الفيء حقّ إلاّ ما ملكت أيمانكم.وأخرج البخاريّ، ومسلم، وغيرهما عن ابن مسعود قال: «لعن الله الواشمات والمستوشمات، والمتنمصات والمتفلجات للحسن، المغيرات لخلق الله»، فبلغ ذلك امرأة من بني أسد يقال لها: أمّ يعقوب، فجاءت ابن مسعود، فقالت: بلغني أنك لعنت كيت وكيت، قال: وما لي لا ألعن من لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو في كتاب الله؟ قالت: لقد قرأت ما بين الدّفتين، فما وجدت فيه شيئًا من هذا، قال: لئن كنت قرأته لقد وجدته، أما قرأت {ومَا آتاكم الرسول فَخُذُوهُ وَمَا نهاكم عَنْهُ فانتهوا} قالت: بلى، قال: فإنه قد نهى عنه. اهـ.
فأنزل الله {ما قطعتم من لينة أو تركتموها قائمة على أصولها فبإذن الله وليخزي الفاسقين}.وأخرج الترمذي وحسنه والنسائي وابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس في قول الله: {ما قطعتم من لينة أو تركتموها قائمة على أصولها} قال: اللينة النخلة {وليخزي الفاسقين} قال: استنزلوهم من حصونهم وأمروا بقطع النخل، فحاك في صدورهم فقال المسلمون: قد قطعنا بعضًا وتركنا بعضًا فلنسألن رسول الله صلى الله عليه وسلم هل لنا فيما قطعنا من أجر وهل علينا فيما تركنا من وزر، فأنزل الله {ما قطعتم من لينة} الآية.وأخرج أبو يعلى وابن مردويه عن جابر قال: رخص لهم في قطع النخل، ثم شدد عليهم فقالوا: يا رسول الله علينا إثم فيما قطعنا أو فيما تركنا من وزر، فأنزل الله {ما قطعتم من لينة} الآية.
|